![]() |
العدد 45، مارس 2017 |
أقسام المكتبات والمعلومات في الجامعات العربية وتحديات التطور والمواكبة في ظل نظرية البقاء للأصلح
الأستاذ الدكتور جاسم محمد جرجيس أستاذ علم المكتبات والمعلومات
شهدت فترة العقدين الأخيرين من القرن الماضي اهتماماً ملموساً فيأساليب ووسائلتطوير وتأهيل المكتبيين في وطننا العربي، وفي هذه الفترة بدأت رياح التغيير تهب على أقسام المكتبات والوثائق في المؤسسات ألأكاديمية العربية من خلال أدبيات علوم المكتبات، وما تداولته المؤتمرات والندوات المتخصصة التي اهتمت بالدعوة لتطوير وإذكاء الاتجاهات المعلوماتية في أقسام المكتبات لكسر طوق الجمود الذي ساد برامج تلك الأقسام في الفترة الماضية. وبتقديرنا إن هذا التغيير كان نتيجة حتمية لتغير طبيعة العمل في مؤسسات المعلومات العربية التي شهدت خلال تلك الفترة استخدام تقانا ت المعلومات والإتصالات في أعمالها، ووجدت أقسام المكتبات والوثائق في العالم العربي نفسها أمام منعطف مهم وحاسم، إذا ما أرادت أن تستمر في تحمل مسؤولية إعداد وتهيئة الطاقات البشرية المهنية المطلوبة لمؤسسات المعلومات من المكتبات ومراكز التوثيق والمعلومات، فكانت أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التغيير والتطوير والمواكبة، أو التلاشي والإنهيار أمام هذه المستجدات والتكنولوجيات التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بسوق العمل، وبالتحولات الإجتماعية والإقتصادية المتسارعة والجذرية. إن التحديات التي واجهت أقسام المكتبات والوثائق والمعلومات في الجامعات العربية سبق أن واجهتها نظيراتها في الدول الغربية، ففي الولايات المتحدة ألأمريكية مثلاً أضطرت بعض الجامعات العريقة إلى إغلاق كليات المكتبات والمعلومات فيها، ومن هذه الجامعات وعلى سبيل المثال لا الحصر جامعة كولمبيا التي تأسس فيها أول برنامج اكاديمي للمكتبات على يد ملفل ديوي في عام 1887 وكان سبب الإغلاق إنحسار عدد المتقدمين للدراسة في هذا البرنامج نتيجة لعدم مواكبته للمستجدات الحديثة في مجال تقانات المعلومات والإتصالات، وكذلك الحال مع ثاني أقدم كلية في الولايات المتحدة والتابعة لجامعة شيكاغو، حيث قامت الجامعة المذكورة وللأسباب نفسها بإغلاقها. وهكذا فعلت جامعة كيس وسترن رزيرف. إن هذه الكليات وغيرها من الكليات والبرامج في الجامعات ألأمريكية أغلقت لأنها لم تحاول مسايرة رياح التغيير وتأمين احتياجات طلبتها إلى الكفايات والمهارات اللازمة لسوق العمل في مجتمع العصر المعلوماتي والرقمي، وحاولت كليات أخرى في الولايات المتحدة إجراء تغيرات تلطيفية وغير جوهرية كحذف كلمة المكتبات من مسمياتها، كما لجأت بعض الجامعات إلى إدماج كليات المكتبات مع كليات أخرى في الجامعة نفسها أو التوسع في الكلية وتنويع الدراسة فيها ليتمكن الخريج من الحصول على تخصص آخر مقارب أو مساند لتخصص المكتبات والوثائق والمعلومات، وبمثل هذه الأساليب والإجراءات الترقيعية لم تتمكن تلك الكليات وألأقسام من الاستمرار في الوجود عملاً بنظرية البقاء للأصلح. هذا من جانب ومن جانب آخر قامت العديد من كليات المكتبات والمعلومات في الولايات المتحدة الأمريكية بمواجهة تلك التحديات التي فرضت نفسها عليها بإعادة النظر بمناهجها ومفردات تلك المناهج وحذفت منها المواد التقليدية التي لا تنسجم ومعطيات العصر الرقمي وأدخلت مواداً مثل : إدارة المعرفة, والمكتبات الرقمية, والأرشيف الإلكتروني, ونظم المعلومات, وأمن المعلومات, والنشر الإلكتروني, والدراسات الببليومترية، وحقوق الملكية الفكرية، وخدمات المعلومات، وتطوير صفحات الويب، والقدرة على التعامل مع تقنيات الذكاء الصناعي، والقدرة على استخدام التقنيات الحديثة في تسويق المعلومات وغير ذلك من المواد وثيقة الصلة بالبيئة المهنية الرقمية وحاجات المتخرج وضرورات امتلاكه كفايات ومهارات متطورة ومتجددة تتجاوز المفاهيم التقليدية لمهنة المكتبات والمعلومات. وقد كتب لتلك الكليات ألإستمرار والتطور وزاد عدد الطلاب المتقدمين إليها.
وفي السنوات الأخيرة أولت المنظمات المهنية على المستويات الدولية والعربية والإقليمية اهتماماً خاصاً لتطوير أقسام المكتبات والمعلومات في دول العالم المختلفة. إذ عقد الاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات ومؤسساتها (الإفلا) لهذا الغرض حلقات نقاشية وإجتماعات لإيجاد السبل والوسائل للنهوض بواقع تلك الأقسام وإكساب طلبتها المهارات والكفايات التي يحتاجها سوق العمل. وعلى الصعيد العربي اهتم الإتحاد العربي للمكتبات والمعلومات بهذا الموضوع أيضا ونظم بالتعاون مع جامعة طيبة ـ بالمدينة المنورة، بالمملكة العربية السعودية – مؤتمره الرابع والعشرون حول "مهنة ودراسات المكتبات والمعلومات: الواقع والتوجهات المستقبلية" خلال الفترة من 25-28 نوفمبر 2013 .وقد صدر عن هذا المؤتمر بيان المدينة المنورة لتخصص المكتبات والمعلومات الذي حدد هوية التخصص ومساره الذي يشمل دراسة المحتوى وضبطه وإدارته وتقنياته وتسهيل الوصول إليه. وتماشيا مع مبادرة (الإفلا) هذه قامت جمعية المكتبات المتخصصة- فرع الخليج العربي بتخصيص مؤتمرها الثالث والعشرون الذي سيعقد بالمنامة في مملكة البحرين في الفترة من 7-9 مارس لموضوع "جودة برامج التدريب والتأهيل في المكتبات والمعلومات: خريطة الطريق نحو الإعتماد المهني والأكاديمي" وستصاحب الجلسات العلمية للمؤتمر ست حلقات نقاشية يشارك بها أساتذة عرب وأجانب خصصت إحداها وهي بعنوان: "من أجل بناء برامج قوية لعلوم المكتبات والمعلومات في جامعات الخليج العربي" وتأتي هذه الحلقة النقاشية لتتماشى مع أهداف الإفلا ونقل تجربتها إلى أقسام ومعاهد المكتبات والمعلومات في الجامعات الخليجية. واختارت الجمعية لهذا الغرض ثلة من كبار المتخصصين في مجال علم المكتبات والمعلومات من الولايات المتحدة وبريطانيا ودولة الكويت والمملكة العربية السعودية والعراق كمتحدثين في هذة الحلقة النقاشية. وستناقش هذه الحلقة أهداف مبادرة الإفلا والتزامها في العمل على التحسن النوعي لبرامج علوم المكتبات والمعلومات في جامعات العالم كافة. وبتقديري أنه آن الأوان لأقسام علوم المكتبات والمعلومات في جامعاتنا العربية بصفتها أقساماً أكاديمية في قمة مؤسسات الهرم التعليمي (الجامعات) لتأخذ على عاتقها مسؤولية النهوض بأنشطتها التعليمية المختلفة لتحقيق أهداف محددة وواضحة في إطار الإهتمام بالتنمية البشرية وتعزيز القدرات المعرفية المتنوعة للنهوض بمؤسسات المعلومات ولا سيما أن وظيفة المكتبات والمعلومات أصبحت وثيقة الصلة بالبيئة المهنية الرقمية وحاجات المتخرج وضرورات امتلاكه كفايات ومهارات متطورة ومتجددة تتجاوز المفاهيم التقليدية لمهنة المكتبات والمعلومات. هذا التوجه سيجعل مختلف أقسام المكتبات الأكاديمية الباحثة عن التميز تسعى إلى مسايرة التطورات العصرية في هذا التخصص، ومن ثم العمل على تطوير مناهجها العلمية بما يلبي وظيفتها العصرية وتحقق للدارس فيها ما ينبغي من الكفايات والمهارات المعرفية التي تجعله قادراً بعد التخرج على العمل في مؤسسات المعلومات المختلفة كونه متخصصاً يمتلك المهارات والكفايات التي تمكنه من إدارة المؤسسة المعلوماتية بقدرة تفي بحاجة الحاضر وتطورات المستقبل، وليس موظفاً أو عاملاً يؤدي الأعمال التقليدية الروتينية في هذه المؤسسات كاقتناء الكتب وتنظيمها وإعارتها وتسجيل عدد مرات الإعارة...إلخ. والان ونحن على مشارف العقد الثالث من الألفية الثالثة نرى حاجة أقسام المكتبات والمعلومات في الجامعات العربية التي يزيد عددها حالياً عن سبعين قسماً إلى المواكبة والتغيير في مناهجها الدراسية لتستطيع الاستمرار في وجودها, وإلا سيكون مصيرها مشابهاً لتلك الكليات والبرامج العريقة في علوم المكتبات في الولايات المتحدة الأمريكية التي اضطرت للإغلاق نتيجة لعدم تحديث مقرراتها ومناهجها الدراسية وتعزيز تلك المقررات والمناهج بمقررات مساندة مثل الدراسات المعلوماتية، وإدارة المعلومات، ونظم المعلومات، وإدارة موارد المعلومات، وإدارة المعرفة وغيرها، كما يجب عليها ان تسعى لرفع المستوى العلمي والتخصصي الواجب توافره في أعضاء هيئة التدريس، وأيضا مواصفات الطالب الذي يجب أن يلتحق بهذه الأقسام من أجل إيجاد التكامل المعرفي الواجب توافره في مواصفات خريج أقسام المكتبات والمعلومات، وبإختصار شديد على هذه الأقسام أن تسعي لتوفير الأركان الثلاثة الضرورية لإنجاح عملية التأهيل في أقسام المكتبات وهي: الأستاذ، والمنهج الدراسي، والأدوات المساعدة كالمختبرات وأجهزة معدات التطبيق العملي وخاصة أجهزة الحاسوب وملحقاتها. وأخيراً وليس آخراً: على أقسام المكتبات والمعلومات تلك أن ترصد احتياجات سوق العمل ومدى تلبية خبرات ومؤهلات الخريجين لها حيث سيعود ذلك بالنفع على المتخرج نفسه كون حاجاته من الخبرات قد تم تغطيتها أثناء الدراسة وبالتالي يكون قد تجاوز العقبات الكبيرة في التطبيق العملي.
والله الموفق. |